تقارير

الجمالان: أيقونة الضفة ومداد ثورتها المشتعلة التي لا تهدأ

2024/03/5 3:55ص

نموت وتحيا القدس.. نموت ويحيا الأقصى”، لم تكن هذه الكلمات الخالدة للشهيد القائد جمال سليم شعارا فضفاضا، فقد ترجم ذلك عمليا، وأسس ورفيق دربه الشهيد القائد جمال منصور، جيلا ثوريا، أمينا على الوصية، وعهد المقاومة، فامتشق البندقية دفاعا عن الأرض، والقدس والأقصى.

شعار خطه بالدم رفيقا المسيرة واللحظات الأخيرة، القائدان الشهيدان جمال سليم وجمال منصور، قائدان من أبرز قادة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في الضفة المحتلة، فصارا نموذجين ملهمين للأجيال في التحرير والمقاومة، التي “تصنع اليوم في الضفة المستحيل، وتتطور لتكون قادرة على طرد الاحتلال الصهيوني”، وفق ما أكده نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشيخ صالح العاروري.

ويوافق اليوم الحادي والثلاثون من شهر يوليو، الذكرى الثانية والعشرين لاستشهاد شعلتي جبل النار القائدين جمال سليم وجمال منصور أيقونة الضفة ومداد ثورتها المشتعلة اليوم بمدن الضفة كافة، في الخليل وقلقيلية ورام الله وجنين، ونابلس؛ منطلق الثورة والبندقية المشرعة في وجه العدو الصهيوني.

شكّل الشهيدان صورة نابلس جبل النار في ثوريتها وعنفوانها ومقاومتها، حتى سعى الاحتلال جاهدًا إلى اغتيالهما، متوهمًا أن استشهادهما قد يوقف مسيرة المقاومة في فلسطين، فمسيرة المقاومة ماضية حتى دحر الاحتلال عن أرضنا الفلسطينية.

وترجّل الجمالان بعد سنين من العطاء في مسيرة الحق والقوة والحرية، إثر قصف صهيوني لمركز للدراسات كانا متواجدين فيه، فرسما جمال النهايات بالشهادة، كما رسما جمال البدايات بالبذل والتضحية.

جمال منصور

وُلد جمال منصور في مخيم بلاطة القريب من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية في 25/2/1960، وعاش طفولته في منزل بسيط من منازل المخيم، وفي مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أتمّ دراسته الابتدائية والإعدادية، ومنها إلى الثانوية، فالجامعية في جامعة النجاح، حيث حصل على درجة البكالوريوس في المحاسبة والعلوم الإدارية.

وبعد انتهاء من دراسته الجامعية منعه الاحتلال من السفر إلى الخارج لإكمال تعليمه في الدراسات العليا “لأسباب أمنية”، تزوج عام 1996 وأنجب ثلاثة أبناء، وعمل محاسبًا في عدة وظائف حتى انتقل إلى العمل الإغاثي، فافتتح فرع نابلس للجنة الإغاثة الإسلامية لإغاثة الأيتام والفقراء والمحتاجين، وكان مسؤولًا عنها.

كما أسس مكتب نابلس للصحافة والإعلام، ولكن الاحتلال أغلقه، فأسس مكتبًا للأبحاث أغلقته السلطة الفلسطينية بعد اعتقاله في عام 1997م، وكانت آخر المؤسسات التي أسسها الشهيد جمال منصور هو المركز الفلسطيني للدراسات والإعلام.

جيل التأسيس

انضم الشيخ جمال في وقت مبكر من حياته إلى جماعة الإخوان المسلمين، إذ يعتبر من جيل التأسيس في حركة حماس، وبرز دوره مع بداية انتفاضة الحجارة عام 1987، فترأس الكتلة الإسلامية أوائل الثمانينيات في جامعة النجاح لثلاث دورات، كما أسس مع مجموعة من القيادات الطلابية إطارًا نقابيًّا على مستوى الوطن باسم الرابطة الإسلامية لطلبة فلسطين ومقره القدس.

لمع نجمه في وسائل الإعلام بعد إبعاده إلى جنوب لبنان عام 1992، ثم اختياره متحدثًا باسم حركة حماس في الضفة الغربية، فرئيسًا للوفد الذي ذهب للحوار مع السلطة الفلسطينية قبل اغتياله.

الاعتقال والإبعاد

اعتقل منصور خلال مدة دراسته وفي أثناء انتفاضة الحجارة أربع عشرة مرة، معظمها كان اعتقالًا إداريًا، حيث اعتقل عام 1995م وخضع للتحقيق مدة ثلاثة أشهر ونصف متواصلة في سجن عسقلان.

أبعد إلى مرج الزهور جنوب لبنان مع عدد كبير من أبناء الحركة الإسلامية الذين كانوا معتقلين في سجون الاحتلال عام 1992م، وخلال مدة الإبعاد أصبح جمال منصور عضوًا في اللجنة القيادية للمبعدين، وترأس اللجنة الإعلامية ولجنة العلاقات العامة خلالها.

كما اعتُقل لدى السلطة الفلسطينية خلال حملة شنتها السلطة في عام 1996م، حيث أمضى في السجن مدة ثلاثة أشهر، ثم أُطلق سراحه، إلى أن أُعيد اعتقاله هو وعدد كبير من أبناء الحركة عام 1997م، وأمضى في سجون السلطة ثلاثة أعوام، ليطلق سراحه عام 2000م.

استطاع جمال منصور ومن خلال سجنه أن يطور نفسه ويكتشف طاقاته ومواهبه، حيث أبدع في الرسم، وهو أول من رسم شعار حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.

وقد ألّف جمال منصور العديد من المؤلفات، منها: كتاب التحول الديمقراطي الفلسطيني من وجهة نظر إسلامية، وكذلك كتاب أجنحة المكر الثلاث، وله العديد من المنشورات والدراسات التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، وكان بارعًا في الكتابة، فكتب الكثير من التقارير والمقالات لعدد من الصحف والمجلات.

جمال سليم

وُلد جمال سليم في مدينة نابلس بالضفة المحتلة عام 1958، درس الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة الغوث، والثانوية في المدرسة الصلاحية في نابلس، ثم سافر إلى الأردن ملتحقًا بكلية الشريعة في الجامعة الأردنية، حتى حصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة عام 1982م.

عاد إلى فلسطين ليعمل مدرسًا لمادة التربية الإسلامية في المدرسة الثانوية الإسلامية في نابلس، كما حصل عام 1996 على شهادة الماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة النجاح الوطنية بنابلس.

التجربة السياسية

التحق جمال سليم بصفوف حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بعد تأسيسها عام 1987، واشتهر بخطاباته ومحاضراته في مساجد مدينة نابلس.

وبعد أن اختير أمينًا لسر لجنة التوعية الإسلامية وأمينًا لسرّ رابطة علماء فلسطين في نابلس، وعلى خلفية انتمائه لحركة حماس، أبعدته قوات الاحتلال إلى مرج الزهور في جنوب لبنان عام 1992م، مع مئات من عناصر الحركة الإسلامية وقياداتها.

وحول تجربة الإبعاد يقول جمال سليم “إن الإبعاد يمثل ملحمة بطولية صمودية حقيقية للذين مثلوا الشعب الفلسطيني، وأعطوا صورة للثبات والصبر والإيمان بحتمية العودة رغم صور العقلية الهمجية للصهيونية البشعة التي استهدفت تفريغ الأرض عبر سياساتها البائسة التي فشلت في إطفاء جذوة الانتفاضة”.

ترأس سليم العديد من اللجان والفعاليات، خاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر/أيلول 2000، وكان من الأعضاء المؤسسين للجنة “التنسيق الفصائلي” في محافظة نابلس، التي كان من أهم أهدافها تنسيق المواقف بين المقاومة الفلسطينية بمختلف تياراتها في الميدان.

الفكر والمنهج

يعتبر سليم أن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي “لب الصراع العربي الصهيوني، وتجسيدًا لمأساة شعب، دُمّر من قراه أكثر من 530 قرية”، واعتبرها “أطول جريمة ضد الإنسان الفلسطيني، وقضية متوارثة لا تموت طالما بقي فلسطينيون يتوالدون ويتناسلون”.

وأصدر نشرتين بعنوان “هدى الإسلام”، و”من توجيهات الإسلام”، وكانت رسالة الماجستير التي قدمها بعنوان “أحكام الشهيد في الإسلام”.

كان الاسم -جمال- نقطة التقاء القائدين منصور وسليم، وكان العمل الوطني والانتماء للفكرة ذاتها، وللمنهج ذاته نقطة التقائهما، فشكلا صورة نابلس جبل النار في ثوريتها وعنفوانها ومقاومتها، حتى سعى الاحتلال جاهدًا إلى اغتيالهما، متوهمًا أن استشهادهما قد يوقف مسيرة المقاومة.

خطاب مودّع

وفي عرس الشهيد صلاح الدين دروزة الذي استشهد قبلهما بأيام، كان الخطاب ذا شجون في التأكيد على الثوابت والاستمرار في النهج وتجديد العهد على الوفاء، مستعرضين مناقب الشهيد أبي النور الذي خاض معهما في طريق المقاومة والجهاد سنوات طويلة.

تحدث القائد جمال سليم برسالة واضحة جلية: نموت وتحيا القدس.. نموت ويحيا الأقصى، أما القائد جمال منصور فشدد على أن رصيد الحركة من الأبطال يُعد بالآلاف، وذلك ردًا على سياسة الاحتلال في اغتيال القادة والمجاهدين، وأن جرائم الكيان لن تمر دون رد.

كانت الكلمات الأخيرة وخطبة الوداع لكليهما، ففي يوم 31/7/2001م قصفت طائرات الاحتلال الصهيوني المركز الفلسطيني للدراسات والإعلام؛ ما أدى إلى استشهاد الجمالين مع عدد من موظفي المركز، ليتوجا بالشهادة حياة عامرة بالجهاد والمقاومة والتضحية سعيًا إلى تحرير الأرض والمقدسات.

رابط مختصر: