قبل انطلاقة حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في الرابع عشر من ديسمبر عام 1987م، بثلاث سنوات أسس الشيخ المجاهد الشهيد صلاح شحادة أول جهاز عسكري للحركة عام 1984م، والذي عُرف باسم “المجاهدون الفلسطينيون”، وكان عبارة عن مجموعة من الخلايا العسكرية السرية التي نفذت سلسلة من العمليات ضد الاحتلال.
قاد الشيخ صلاح شحادة “المجاهدون الفلسطينيون” وأشرف على عملياته حتى تحول اسم الجهاز عام 1991م إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام ليخوض مسيرة تطور كبيرة في العمل العسكري، ليتمكن من تحويل الجهاز العسكري من مجموعات صغيرة ومحدودة إلى جيش عسكري عملاق يُحسب له اليوم ألف حساب.
ويوافق اليوم الثاني والعشرون من يوليو ذكرى اغتيال القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام الشيخ الشهيد صلاح شحادة، والذي أثمر غرسه، وباتت كتائب القسام جيشًا عظيمًا قهر الاحتلال وكسر أسطورته المزعومة “الجيش الذي لا يقهر”، وأذلّه في ناحل عوز وأبو مطيبق وزيكيم، وغيرها.
استراتيجية أسر الجنود
طوّر الشيخ صلاح شحادة من استراتيجية المقاومة لتنتقل إلى مرحلة جديدة، من قتل الجنود إلى أسرهم من أجل تحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، فشكل الوحدة القسامية الخاصة (101) التي أوكل إليها مهمة أسر الجنود.
ومن داخل سجنه عام 1988 اتخذ القائد شحادة قرارًا كبيرًا اختزل في ثلاث كلمات مشفرة “افتحوا البوابة الشرقية”، والذي جاء إيذانًا منه للخلية 101 بالبدء في عمليات أسر الجنود.
لم يمضِ الوقت طويلًا، حتى بدأت الخلية بالمهمة؛ فأسرت الجندي الصهيوني آفي سبورتس في فبراير عام 1989م، وبعد أقل من ثلاثة أشهر أسرت الجندي إيلان سعدون، وقتلتهما واغتنمت سلاحهما، وأخفت جثتيهما بغرض إجراء عمليات تبادل أسرى.
ميلاد ونشأة
ولد صلاح الدين مصطفى شحادة في مخيم الشاطئ في 24 من فبراير عام 1952م في عائلة لاجئة من يافا المحتلة هجرها الاحتلال عام 1948، تزوج عام 1976، وهو أب لست بنات، رُزق بالأخيرة في أثناء اعتقاله.
درس المرحلة الابتدائية في مدارس الأونروا في مخيم الشاطئ للاجئين، ثم انتقل إلى دراسة المرحلة الإعدادية بمدارس بيت حانون لانتقال مكان سكنه، حصل على شهادة الثانوية العامة بتفوق من مدرسة فلسطين في غزة عام 1972م، ثم التحق بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية في الإسكندرية في العام ذاته.
عمل باحثًا اجتماعيًا في مدينة العريش شمال سيناء عام 1976م، وعُيّن لاحقًا مفتشًا للشؤون الاجتماعية في العريش، وبعد أن استعادت مصر مدينة العريش من الاحتلال الصهيوني عام 1979 انتقل إلى الإقامة في بيت حانون، واستلم في غزة منصب مفتش الشؤون الاجتماعية لقطاع غزة.
في بداية عام 1982 استقال من عمله في الشؤون الاجتماعية، وانتقل إلى العمل في دائرة شؤون الطلاب في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة.
دفعُ للثمن
اعتقل الاحتلال الشيخ القائد صلاح شحادة عام 1988م، للاشتباه بنشاطه العسكري، ووجه له تهم تشكيل خلايا عسكرية، وتدريب أفرادها على السلاح، والأمر بتنفيذ عمليات ضد أهداف عسكرية في غزة، ولم تثبت عليه أي تهمة، لكنه قضى في السجن عامين بموجب قانون الطوارئ الذي فرضه الاحتلال.
عام 1986 نال حريته وخرج من السجن، فعمل مديرًا لشؤون الطلاب في الجامعة الإسلامية، حتى أغلقت سلطات الاحتلال الجامعة في محاولة لوقف انتفاضة الحجارة عام 1987، لكنه واصل عمله، ما أدى إلى اعتقاله في أغسطس 1988م.
وجه الاحتلال للشيخ شحادة تهمة قيادة الجهاز العسكري لحماس، والوقوف وراء أسر الجنديين آفي سبورتس وإيلان سعدون، وحُكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات ونصف، أضيفت إليها سنة بدل غرامة رفض الشيخ صلاح شحادة أن يدفعها، وبعد انتهاء المدة حُوّل إلى الاعتقال الإداري لمدة عشرين شهرًا حتى أفرج عنه في مايو 2000م.
وخلال فترة اعتقاله في سجون الاحتلال تعرض شحادة لأقسى أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، وذكر الشيخ أن المحققين نتفوا لحيته شعرة إثر شعرة حتى شك أن تنبت له لحية بعد ذلك، كما أنه مكث في التحقيق قرابة العام، حتى بلغ مجموع سنوات اعتقاله 14 عامًا.
مواصلة الطريق
تلقى شحادة قبل خروجه من السجن تهديدًا من ضباط مخابرات الاحتلال باغتياله في حال قيامه بأي نشاطاتٍ عسكرية، وبعد عدة أشهر قدم الشيخ استقالته من عمله وتفرغ لمقاومة الاحتلال، غير آبهٍ بتهديدات العدو الصهيوني حتى لقي ربه شهيدًا.
استكمل شحادة بناء الجهاز العسكري وترتيب صفوفه من جديد، بعد ملاحقة أجهزة السلطة الفلسطينية له، فتواصلت العمليات الاستشهادية مع بداية انتفاضة الأقصى، التي اعتبرها الشيخ “نقطة انطلاق نحو تحرير فلسطين”، فكان المخطط والعقل المدبر لها.
أثمر جهد القائد العام صلاح شحادة، بإطلاق الصاروخ القسامي الأول تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، بفضل جهود وحدة التصنيع التي شكلها إلى جانب الوحدات والأكاديميات العسكرية المتخصصة.
كما كان له شرف التخطيط والإشراف على عدة عمليات استشهادية أودت بحياة العشرات من الجنود الإسرائيليين، حتى أصبح بعدها المطلوب الأول لقوات الاحتلال.
صنفه الاحتلال بأخطر رجل، ووضعه على رأس قائمة الاغتيال، وسعى بكل أجهزته لمطاردته واغتياله والذي عدّه رئيس حكومة الاحتلال الأسبق أريئيل شارون بمثابة “العدو الأول للكيان الصهيوني”.
موعد مع الشهادة
في الثاني والعشرين من يوليو عام 2002م ألقت طائرات الاحتلال الحربية قنبلة تزن طنًا من المتفجرات على منزل في حي الدرج شرق مدينة غزة، خلفت مجزرة كبيرة.
ارتقى القائد العام لكتائب القسام الشيخ صلاح شحادة خلال هذه الجريمة، برفقة 18 فلسطينيًا، بينهم زوجته، ومرافقه القيادي في القسام زاهر نصار، وثمانية أطفال، ليمضي إلى ربه بعد رحلة زاخرة بالتضحية والبذل والجهاد، تاركًا لمَن خلفه معالم واضحة لطريق الجهاد والمقاومة.